يُجزِئُ في إزالةِ النَّجاسةِ: ما يُزيلُ عَيْنَ النَّجاسةِ وأثرَهَا مِن غيرِ اشتراطِ عددٍ معيَّن مِن الغسلات
لا يُقدَّر لإزالة النَّجاسة عددٌ معيَّن مِن الغسلات [1]؛ لأنَّ النَّجاسة تختلفُ قدرًا ونوعًا، فربَّما تحتاجُ إلى عشر غسلات، فلا تكفي السّبع؛ لأنَّ النَّجاسة فيها غِلظ، وفيها التصاق، وفي حالة أخرى: يمكن ثلاث مرات، فلاحِظوا الاستنجاء مِن البول يحتملُ الشَّيء اليسير، يعني لو أخذت غرفة وحدة تكفي، بخلاف الاستنجاء مِن الغائط، يحتاج إلى أكثر مِن ذلك.
فيجزئُ في إزالة النَّجاسة -سواء كانت على الأرض، أو على غيره: كالفراش، والثّوب، والبدن، والإناء-: ما يزيلُ عينَ النَّجاسة وأثرَها مِن غير اشتراط عددٍ معيَّن، فإن زالتْ بغسلة: فبها ونعمت، وإلّا بغسلتين، أو ثلاث.. بحسب ما يراه المكلّف.
أمّا نجاسة الكلب والخنزير: فلها شأنٌ آخر كما سيأتي، لكن النَّجاسة على غير الأرض، والقول باعتبار السّبع، هذا ليس عليه دليل، هناك بعض الآثار، لكنّها لم تثبت . [2]
فالصَّواب أنَّه لا يشترطُ في غسل النَّجاسات على غير الأرض عددٌ: لا ثلاث، ولا خمس، ولا سبع، والرَّسولُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال للنّساء: (اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أو سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِك)[3]، هذا في غسل الميت، وهو مِن مقاصده: النَّظافة.
أمّا نجاسة الكلب، فقد وردَ فيه أحاديث صحيحة، حديث أبي هريرة، وغيره: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ: أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ)[4] وفي رواية: (إحداهنَّ)[5] وفي رواية بالشك: (أولاهُنَّ، أو أُخراهُنَّ بالتُّرابِ) [6]
فذهبَ جمهورُ أهل العلم إلى ظاهر هذا الحديث، وقالوا بنجاسة الكلب [7]، وإذا كان لعابُه نجسًا: فما سواه مِن باب أولى، يعني مِن بوله، وروثه. [8]
ومثلُ الكلب: الخنزير، وهذا مِن باب القياس، قالوا: لأنَّ الخنزير أخبث. [9]
وقال بعضُ أهل العلم: إنّ التَّعديد، أو التَّقدير بالسّبع: تعبُّدي، فلا يتأتَّى القياس، ونجاسة الخنزير ليست كنجاسة الكلب. [10] ولاسيما إذا عُلِّل لعابُ الكلب، أو نجاسته، أو خبثه، بما يُذكَرُ مِن أنَّ فيه دودة، وأنّه لا يزيلها إلّا التّراب. [11]
فمعنى هذا: أنَّ له خصوصيَّة في هذا، والخنزيرُ لا شكَّ أنَّه خبيثٌ، لكن ما يلزم مِن خبثه أن يتقدَّر غسل سؤره، بمثل ما يُغسل به الكلب، إذ قد يكون للكلب خصوصيَّة.
والرَّسولُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- هو أفصحُ النَّاس، خصَّ هذا الحكم -وهو ولوغ الكلب- بقيدين: بعدد مِن الغسلات، وبتراب؛ ولهذا قال كثيرٌ مِن أهل العلم بعدمِ اعتبار هذا القياس.
وأمر آخر في شأن الكلب: جمهورُ أهل العلم على ظاهر الحديث، وذهبَ آخرون بأنَّ هذا الحكمَ -أعني الغسلات، والتَّطهير- كلُّه تعبُّدي، غير معقولِ المعنى، وليس لنجاسة الكلب، فالكلبُ عندهم ليس نجسًا، وإنَّما جاء هذا الحكم تعبديًا. [12]
والأظهر -والله أعلم-: ما ذهبَ إليه الجمهورُ، أنَّه للنَّجاسة.
ولعلَّ الذين قالوا: بأنَّه ليس للنَّجاسة، استدلّوا بعدم الأمر بغسل ما صاده الكلب، وأنَّه يعضُّه بفيه، ولم يَردِ الأمرُ بغسل ما صاده الكلب !
ويُجاب: بأنَّ ذلك لا يمنع القول بنجاسة الكلب، والحكم بنجاسة الكلب: لا يمنع مِن العفو عن النَّجاسة في بعض المواضع، دفعًا للحرج. [13]
قال البزار: " وهذا الحديث لا نعلم رواه عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة إلا يونس بن بكير". وأورده الهيثمي في "المجمع" 1/278 وقال: " هو في الصحيح خلا قوله: " إحداهن "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار" وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 1/190، رقم: 35
وأخرجه الترمذي 91 من طريق معتمر بن سليمان، عن أيوب، به.
قال الترمذي: "حسن صحيح"
وقال الحافظ في "الفتح" 1/276: " ورواية أُلاهُنَّ أرجح، من حيث الأكثرية والأحفظية، ومن حيث المعنى أيضًا؛ لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه"
